الإدمان والضغط النفسي والاكتئاب… الشابات الفرنسيات أمام مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي

وأظهرت دراسة أجرتها وزارة الصحة الفرنسية عام 2022 ونشرت في 4 يونيو، وهي الأولى من نوعها، تدهورا ملحوظا في الصحة النفسية للنساء الفرنسيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 18 و24 عاما منذ جائحة كوفيد-19.
وكشفت الدراسة أيضا أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت عاملا من عوامل تفاقم الأزمة الوجودية التي تعيشها هذه الشريحة من المجتمع.
الأرقام:
بولين روكيت
يظهر شعار TikTok على شاشة الجهاز في مدينة ليل، شمال فرنسا، في 24 مارس 2022.
يظهر شعار TikTok على شاشة الجهاز في ليل، شمال فرنسا، في 24 مارس 2022. © وكالة فرانس برس
“إذا كنت تشعر أنك تكره الجميع، فكر في تناول الطعام. إذا كنت تعتقد أن الجميع يكرهونك، اذهب للنوم. إذا كنت تكره نفسك، خذ حمامًا.
هذه بعض النصائح المنشورة في مقطع فيديو تحت هاشتاج “نصائح الصحة العقلية” الذي حصد أكثر من 28 ألف إعجاب و11 ألف مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي. وتكشف التعليقات، المبنية على الأسماء والصور، أن معظم المشاركات كن شابات يشاركن نضالاتهن وتجاربهن الحياتية.
تشهد فرنسا تزايدًا ملحوظًا في معدلات الإدمان النفسي والاكتئاب بين الشابات، ويُعزى ذلك بشكل كبير إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية. الدراسات الحديثة تشير إلى أن الاستخدام المفرط لتطبيقات مثل إنستغرام، فيسبوك، وتيك توك يرفع من مستويات القلق والاكتئاب بين المراهقات والشابات، بسبب الضغط المستمر للمقارنة الاجتماعية والسعي وراء الكمال.
وفقًا لتقرير نشره المعهد الوطني الفرنسي للصحة والبحوث الطبية (INSERM)، ارتفعت حالات اضطرابات المزاج والقلق النفسي بين الفئة العمرية 15-24 سنة بنسبة 30% خلال السنوات الخمس الأخيرة، مع دور واضح لوسائل التواصل الاجتماعي في هذه الظاهرة.
كما أكد تقرير منظمة الصحة العالمية (WHO) حول الصحة النفسية للمراهقين أن التعرض المستمر للمحتوى الإلكتروني السلبي يمكن أن يؤدي إلى تفاقم مشاعر الوحدة والعزلة، والتي ترتبط بشكل مباشر بزيادة معدلات الاكتئاب بين الفتيات. للمزيد، يمكنك مراجعة التقرير عبر الرابط التالي: WHO – Adolescent mental health.
بالإضافة إلى ذلك، سلطت دراسة أجرتها جامعة باريس على تأثير الضغط الاجتماعي في شبكات التواصل على النساء الشابات، حيث أشارت إلى أن التفاعلات الرقمية تخلق بيئة مثالية لتعزيز الشعور بالنقص، مما قد يؤدي إلى الإدمان على التحقق المستمر من الإشعارات والتعليقات، مع ما يترتب على ذلك من توتر نفسي مستمر. اقرأ الدراسة عبر: Université de Paris – Social Media Impact Study.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الظاهرة ليست محصورة بفرنسا فقط، بل هي مشكلة عالمية تواجهها العديد من البلدان، ما دفع بعض الحكومات إلى تبني سياسات للحد من وقت استخدام الشباب لوسائل التواصل وتعزيز برامج التوعية بالصحة النفسية.
في السنوات الأخيرة، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياة الشباب، وخاصة الفتيات في فرنسا. وعلى الرغم من الفوائد العديدة التي تقدمها هذه المنصات من تواصل وتبادل معلومات، إلا أنها باتت تمثل تهديدًا خطيرًا على الصحة النفسية للشابات، حيث أظهرت العديد من الدراسات أن الاستخدام المفرط وغير المدروس يمكن أن يؤدي إلى الإدمان النفسي، زيادة مستويات الضغط النفسي، وحتى الاكتئاب.
الإدمان على وسائل التواصل: ظاهرة متزايدة
أوضح المعهد الوطني الفرنسي للصحة والبحوث الطبية (INSERM) في تقريره الأخير أن نسبة الفتيات اللواتي يقضين أكثر من 3 ساعات يوميًا على منصات مثل إنستغرام وتيك توك ارتفعت بشكل كبير خلال السنوات الخمس الماضية. هذا الاستخدام المفرط أدى إلى أعراض تشبه الإدمان، مثل التوتر عند عدم التحقق من الإشعارات، والشعور بالحاجة الملحة للرد على التعليقات، ما يؤثر بشكل سلبي على التركيز والأداء الدراسي والاجتماعي.
الضغط النفسي والسعي للكمال
وسائل التواصل الاجتماعي تخلق بيئة مثالية للمقارنات المستمرة، حيث تعرض الفتيات أنفسهن لمعيار جمال وحياة “مثالية” لا تعكس الواقع. هذا الضغط المستمر يدفع إلى انخفاض الثقة بالنفس وزيادة الشعور بالنقص، وهو ما يعزز حالات القلق والتوتر. دراسة جامعة باريس أظهرت أن 65% من الشابات أقررن بأنهن يشعرن بالضغط لتقديم صورة مثالية على الإنترنت، مما يفاقم من مشاكل الصحة النفسية.
الاكتئاب وتفاقم الحالة النفسية
منظمة الصحة العالمية (WHO) أكدت أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين الاستخدام المكثف لوسائل التواصل والاكتئاب بين المراهقين. فالمحتوى السلبي، التنمر الإلكتروني، والخوف من فقدان التواصل (FOMO) كل هذه العوامل تساهم في تفاقم الشعور بالاكتئاب والعزلة بين الفتيات. كما أن الإفراط في الاستخدام يقلل من ساعات النوم، وهو عامل رئيسي في اضطرابات المزاج.
تأثير اجتماعي وثقافي
تضافرت عوامل اجتماعية وثقافية مع التأثير النفسي لوسائل التواصل، حيث تواجه الشابات الفرنسيات أعباء إضافية مثل التحديات التعليمية، البطالة، وقضايا الهوية الثقافية، مما يزيد من هشاشتهن النفسية. كما أن العزل الاجتماعي خلال جائحة كورونا زاد من الاعتماد على الإنترنت كوسيلة وحيدة للتواصل، ما زاد من حدة المشكلة.
جهود التوعية والحلول المقترحة
في مواجهة هذه الظاهرة، أطلقت الحكومة الفرنسية عدة مبادرات للتوعية بخطورة الاستخدام المفرط لوسائل التواصل. وتشمل هذه المبادرات برامج تعليمية في المدارس لتعزيز الصحة النفسية، بالإضافة إلى تقديم دعم نفسي مجاني للشباب المتضررين.
بالإضافة إلى ذلك، ينصح الخبراء بتبني استراتيجيات شخصية للحد من التأثير السلبي، مثل:
-
تحديد أوقات محددة لاستخدام وسائل التواصل.
-
ممارسة النشاطات البدنية والهوايات.
-
التواصل الحقيقي مع الأسرة والأصدقاء.
-
طلب المساعدة المتخصصة عند الشعور بالاكتئاب أو القلق.
الخلاصة
وسائل التواصل الاجتماعي تفتح آفاقًا واسعة للتواصل والتعلم، لكنها في الوقت نفسه تشكل تحديًا كبيرًا للصحة النفسية، خاصة بين الشابات الفرنسيات. التوازن والوعي هما المفتاح لتجنب الوقوع في فخ الإدمان والضغط النفسي والاكتئاب، مما يستوجب جهودًا مشتركة بين الأفراد والمجتمع والمؤسسات الحكومية.